-->
لا حول و لا قوة الا بالله

المثل السوداني دوام الحال من المحال: معنى عميق وحكمة خالدة تكشف سر تقلبات الحياة

تعريف المثل "دوام الحال من المحال"

يُعرَّف المثل السوداني الشهير "دوام الحال من المحال" بأنه حكمة شعبية تحمل معانٍ عميقة: فهي تؤكد أن لا شيء يبقى على حاله مطلقًا. بمعنى آخر، “دوام” أي استمرار الأمر، و**“الحال”** أي الوضع الحالي أو الظروف المحيطة، وكلمة “المحال” تعني ما لا يمكن حدوثه. يعبر المثل مجازًا عن استحالة الثبات في كل الأحوال، ويذكرنا بأن التقلب دائم في حياة الإنسان. كما بيَّن أحد المصادر أن المثل يعني حرفيًا: “لا شيء يثبت على ما هو عليه”.

نبذة عن المثل

يُعدّ هذا المثل من الأمثال السائرة والحكم المشهورة في التراث العربي والسوداني خاصة، ويندرج ضمن مخزون الحكمة الشعبية التي تسخّر الحياة اليومية لإيصال درس فلسفي. فقد انتشر استخدام "دوام الحال من المحال" في الأحاديث والمقالات والخطابات كعبارة مختصرة تعكس تقلبات النعم والمحن بين الناس. وقد أشار مقال صحفي إلى أن هذه الحكمة تستند إلى سنن الكون التي لا تبدل – فالدوام لا يكون إلا لله تعالى. ومما يميز هذا المثل هو بساطته في العبارة وقدرتها على استنباط حقائق كبيرة حول طبيعة الحياة وظواهرها المتغيرة.

مناسبة استخدام المثل

يُستخدم المثل عادةً في مواقف محددة من الحياة لتذكير الناس بتقلب الأحوال واختلافها، ومن أبرز مناسبات استخدامه:

  • في وقت الشدة أو المصيبة: للتركيز على أن المصاعب والأحزان زائلة.

  • في وقت الفرح والرخاء: للتنبيه على أن النعمة قد تزول أيضًا، فـ**“دوام الحال من المحال”** حتى في أوقات السعادة.

  • عند الحديث عن التغيير: مثل تغيّر الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي، فكما قال الكاتب في جريدة عمان: “يتأرجحُ الإنسان بين حالات الحزن والفرح… فدوام الحال من المحال”.

  • في النصائح والدروس: لتعليم الصبر والتوكل، أو للتنبيه بعدم الغرور عند النصر أو الابتعاد عن اليأس عند الخسارة.

باختصار، يُستحضَر المثل في الحديث عن تقلب الحياة؛ فهو ينطبق على الصحة والمرض، والغنى والفقر، والحكمة والجهل، كما يلفت النظر إلى أن ظروف الفرد ليست ثابتة بل في حركة مستمرة.

وصف المثل

يتكوّن المثل من كلمات ودلالات واضحة:

  • “دوام” تعني الاستمرار والثبات.

  • “الحال” تشير إلى الوضع أو الظرف الذي يعيشه الفرد (ماليًا، صحيًا، اجتماعيًا، وغيرها).

  • “المحال” تعني الشيء الذي يصعب أو يستحيل حدوثه.

ولذا يفيد المثل كتعريف بسيط معناه: استمرار الحال في أي ظرف هو أمر مستحيل. يضرب مثالًا عامًّا على أن الحياة لا تبقى في حالة واحدة، فهي تسير في دوائر: تأتي النعمة ثم تذهب، ويعقب الضيق الفرج. كما أشار الكاتب في سبق إلى أن “ليس هناك شيء يستقر على حاله قط في دار الفناء التي يقلبنا الله فيها كيف يشاء”.

يمكن القول إن المثل ببساطته يصف سنة دينية وحكمة كونية: الدوام لله وحده (كما يروى في مفهوم إسلامي)، بينما الإنسان وتعلّقات الدنيا دائمة التقلب. وهو يركز على حقيقة أن الحالة الراهنة مهما كانت (قوة أو ضعف، صحة أو مرض، غنى أو فقر) لن تستمر على حالها إلى الأبد.

شرح المثل

يوضح المثل مفهومًا فلسفيًّا واقعيًّا عن الطبيعة التغييرية للحياة. في تفسيرات العلماء والحكماء، غالبًا ما يُذكر أن سنن الله في الكون تؤكد تبدل الأحوال. قال الشيخ المنتصر الكتاني في تفسيره: «أي حال من الأحوال المادية أو المعنوية فإن دوامها من المحال، فلا فقر يدوم ولا غنى يدوم، ولا قوة تدوم ولا ضعف يدوم». ويشرح الكتاني بعد ذلك كيف مرّ الإنسان بمراحل حياتية متعاقبة: من جنين إلى طفل وشاب ثم شيخ، ويُختتم بالموت، ما يدلّ على عدم بقاء شيء في هذه الدنيا على حال واحد.

بمعنى آخر، المثل يذكّرنا بأنّ كل فترة من حياتنا مؤقتة: فأيام اليسر تتلوها أيام الشدة، وكل نازلة تنتهي بفجْر، والكمال في دار الحق وحده. وهذه الرسالة انعكست أيضًا في القرآن الكريم إذ ذُكر أن الحياة الدنيا ليست دائمة: {فَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَوٰةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ}. فالمثل – شأنه شأن أمثال أخرى مثل “كل شيء إلى زوال” – يحضّ على التحلي بالصبر والتفاؤل ويُبعد عننا الفرح الزائد الذي قد يؤدي إلى الغرور، ويُنعش فينا الأمل بأن الكرب سينفرج حتماً.

مميزاته وعيوبه

يحمل هذا المثل في طياته فوائد متعددة ومزايا وكذلك بعض المحاذير إذا أوظف بشكل سلبي. نذكر من ذلك:

  • المميزات:

    • تعزيز الصبر والأمل: يُذكرنا بضرورة أن نصبر على الشدائد، وأن نسعى للعمل لأنه مهما اشتدت الظروف فإنها ستنقضي.

    • حفظ التوازن النفسي: يساعدنا على عدم الإفراط في الفرح أو الحزن، فالسرور سيمرّ ويعود الحزن، والعكس صحيح.

    • دافع للعمل والاجتهاد: إذ لا يبقى الغنى والشهرة أبداً، فالأفضل استثمار النجاح لحيث لا ينقطع الأجر (كما أشار تفسيرات الشيخ الكتاني).

    • واقعية وتواضع: يعلمنا أن نكون متواضعين؛ فكل حالة مؤقتة، فالمُعافَى قد يمرض، والغني قد يُفلس.

  • العيوب والمخاطر المحتملة:

    • التشاؤم أو الإحباط: قد يفسّر البعض المثل بشكل متطرف فيشعرون بأن الأمور دائمًا ستسوء، فيسودهم اليأس.

    • التسويف أو المماطلة: إذ يظن البعض أن “دوام الحال من المحال” يعني عدم ضرورة العمل الجاد لأن الظروف ستتغير وحدها.

    • إغفال التخطيط للمستقبل: إذا اعتقد الإنسان أن الأمور تغير تلقائيًا، فقد يهمل استثمار الفرص أو التخطيط.

بشكل عام، تبرز نصيحة ذهبية خلف المثل: تقبّل الحقيقة، وكن مستعدًا للتغييرات، ولا تغتر بالحال الجيد. فإذا وُظف حكيمًا فإن "دوام الحال من المحال" يزيدنا قوةً واستعدادًا، أما إن وسّع الأفق أمام التشاؤم فقط، فستفقدنا فُرصًا كثيرة.

تاريخ وأصل المثل

لا يوجد تاريخ مسجَّل لصدور هذا المثل أو كاتب محدد له؛ فهو مأثور شفهي تداولته الألسن والعلماء على مر العصور. ورغم التسمية بـ«السوداني»، إلا أنّ معناه متجذر في الثقافة العربية العامة. ويشير بعض الباحثين إلى أن المثل قد ينحدر من مقولات قديمة أو تأويلات دينية تتحدث عن دورات الحياة واحتكام الزمن. مثلاً، يذكّرنا مفهوما المثل وحديث الدوام لله وحده بالآيات القرآنية التي تنص على زوال الحياة الدنيا وتعاقب الليل والنهار.

في التراث الإسلامي، نجد قول النبي ﷺ إن الدنيا لا تدوم؛ وأمثلة مشابهة مثل قولهم “لو دامت لغيرك لم تبقَ لأحد”، وعلى الرغم من أنها تختلف في الصياغة، إلا أن الفكرة واحدة: كلّ عالَم هالك إلا وجه ربك ومبدأ القوّة المؤقتة. لذلك، يُمكن اعتبار أصل المثل فلسفيًا وروحيًا؛ فقد يكون مُستقى من الحكمة القائلة بأن الصيرورة سنة كونية.

من جهة أخرى، يرسم التاريخ نماذج على أن العائلات الحاكمة والإمبراطوريات قد تنهض ثم تسقط؛ وهذا ما يذكرنا بالقول: “كل أمورنا سرورها وحزنها حتماً سيمرّ”. وقد تناولت مقالات حديثة الإشارة إلى المثل في سياق دروس من التاريخ والسياسة، فمثلاً استخدمت صحيفة كويتية أمثلة تاريخية عالمية توضح تقلب المراكز بين الدول. لكن بشكل عام، يبقى تاريخ المثل في السودان والعالم العربي ضمن الأمثال الشعبية التي يشبه تاريخها تاريخ المتناقلين لها أكثر من كونها موثقة في كتاب معين.

قائل المثل

لا تُنسب عبارة "دوام الحال من المحال" إلى شاعر أو مؤرخ بعينه، فهي عبارة شعبية نُقلت جيلاً بعد جيل. ومن ثمّ ليس هناك “قائل” محدد يمكن الإشارة إليه بالتحديد. هي من الأمثال المجهولة اللسان والمأثورة الشفوية، يجمعها كل الناس في مناسباتهم. ومع ذلك، استشهد بها كثيرون وكثُر من استلهموا معناها، فذكرها الأئمة والخطباء عند الحديث عن تقلب النعم، وكُتبت في مقالات الصحف مثل الأمثلة التي استعرضناها.

باختصار، المثل منسوب لموروث اجتماعي عام وليس لذات واحدة، لكنه أصبح شعارًا يردده الجميع في المواقف المناسبة ليصحو بهم من وهم بقاء الحال على حاله.

آراء حول المثل

يحمل هذا المثل في نظر الكثيرين رسالة تفاؤل أو تذكير روحي، وأجمع بعض الكُتّاب على أنه يخفف وقع المصائب بكونها زائلة. فعلى سبيل المثال، يجمع مقال في صحيفة الكويتية على أن “الدنيا لا تبقى على حال… إن حكمة الله أن كل أحوالنا… حتماً سيمرّ”، وهو ما يجعلهم يرونه دعوة للثقة بأن بعد كل ضيق فرج، وأن لحظات السعادة لن تكون أبدية على حد قولهم.

ومن وجهة نظر نفسية واجتماعية، يعدّ المثل موازنة عقلية تشجع على التحلي بالصبر والحكمة. فالجمعيات التربوية والموجهون يذكرون أن استخدام مثل كهذا في الحوار يخفف من فرط القلق – إذ يضع المشاكل في إطار مؤقت – ويرشد الناس إلى العمل بدلاً من الاستسلام.

لكن على الجانب الآخر، ينتقد بعضهم استخدام المثل بطرق سلبية، معتبرين أنه قد يحمل معاني سلبية مغلوطة إذا فسّر مطلقًا: كمَن يرى أن المثل يحض على “لا شيء يدوم على خير” دون إشارة إلى بذل الجهد. لهذا نسمع آراء تحذر من جعل المثل مبرّرًا للإحباط أو التقاعس.

تجدر الإشارة إلى أن العادة العربية – كما في مقال سابق – تميل إلى ربط المثل بمصادر دينية وآيات قرآنية لترسيخ معناه، وقد ورد في بعض الكتب أن قوله تعالى: {فَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَوٰةِ الدُّنْيَا} يضاهي فكرة المثل بأن متاع الدنيا زائل.

كل جوانب هذا المثل

يمتد تأثير هذا المثل عبر جوانب متعددة في حياتنا:

  • البعد الاقتصادي والتاريخي: فقد ربطه كتاب بالدوارات الاقتصادية التي تعرفها الأسواق. مثلا، في مقال تم الاستشهاد به على أن الدورة التجارية تتضمن “ركوداً، انتعاشاً، رواجاً، انكماشاً” حيث “الضرر لن يستمر إلى الأبد كذلك التحسن المعيشي”. ويضربون أمثلة على دولٍ مرت بفترات رخاء ثم أزمات (والعكس)، مثل ما يحدث في كل دورة اقتصادية.

  • البعد الاجتماعي والشخصي: في حياة الفرد والعائلة، المثل ينطبق على التقلبات في الصحة والمال والعلاقات. فالفقير قد يصبح غنياً بفضل العمل والمحضّرات، والغني قد يفلس. وهذا ما عبّرت عنه مقالات: “فإن الإنسان يمر بأحوال سيئة ثم جيدة، أو العكس”.

  • البعد الروحي والديني: يلخص المثل مفاهيم التوكل والقضاء والقدر. فهو قريب من المفاهيم الإسلامية القائلة بأن الحياة دنيا دار تجريب وزوال، وأن العائد الدائم مع الله. والداعية مثلاً يستخدم المثل لتشجيع الصبر قائلاً إن الحياة الآخرة هي الدار التي فيها “دائم” وليس فيها تغيرات.

  • البعد الثقافي والحكمة العامة: يعد المثل من ذخيرة الأمثال التي يستخدمها المثقفون والخطباء والناس في خطاباتهم ونصوصهم. وقد مثّل محور مقالات ومنشورات في وسائل التواصل (مثلما ورد عن المغرب والسودان) ليعبر عن تجارب الحياة اليومية.

بهذا، يغطي المثل جوانب الحياة كاملة: الاقتصادية، والاجتماعية، والدينية، والثقافية، والنفسية. فهو يجعلنا نفكر في كل وضع نعيشه من منظور مرحلي زائل، وينبهنا إلى أن الثابت الوحيد في الدنيا هو التغيير.