-->
لا حول و لا قوة الا بالله

المثل السوداني جلداً ما جلدك جر فيهو الشوك: دراسة شاملة لمعناه وأصله وتاريخه ودلالاته الاجتماعية

يعدّ مثلًا شعبيًا سودانيًا شهيرًا يحمل دلالة قوية على الأنانية والتجاهل. تتكرر عبارة “جلداً ما جلدك جر فيهو الشوك” بكثرة في الأحاديث اليومية، وتعني حرفيًا أن الجلد الذي ليس جلدك يمكنك سحبه على الشوك دون ألم، مجازيًا أي عدم الاهتمام بما ليس ملكك. بعبارة أخرى، يستخدم المثل لتبرير الاستهتار بممتلكات الغير واللامبالاة بمشاكل الآخرين. فقد سبق أن أوضح صحفي سعودي أن هذا المثل يُستخدم أحيانًا في سياقات تبرير الاستهتار بملكيات الغير، لاسيما الممتلكات العامة التي يعتقد البعض أنها “ليست لأحد”.

تعريف المثل «جلداً ما جلدك جر فيهو الشوك»

المثل السوداني «جلداً ما جلدك جر فيهو الشوك» (يُقال أيضًا “جلد ما هو جلدك جرّه على الشوك”) يشير إلى سلوك استغلالي أناني. تعني كلمات المثل: “ما دام الأمر ليس من اهتماماتك المباشرة، فلا تأبه لآثاره السلبية”. فعندما نقول "جلداً ما جلدك"، نعني أن الموضوع ليس جلدك (أمرك الخاص)، وكلمة “جر فيهو الشوك” تعني تعريضه للأذى أو الضرر. بهذا يتضح أن المثل يبرر تجاهل الألم أو الأذى الذي يقع على أمر لا علاقة لصاحبه به. استُخدم المثل في الثقافة الشعبية لتبيان أن الشخص يتصرف بلا مبالاة إذا كان الأمر ليس من مصلحته الشخصية، كما وصفه أحد الكتاب بأنه “مشبع بالأنانية وحب الذات بل الدعوة لتخريب كل ما هو ليس ملكًا شخصيًا لك”. بمعنى آخر، المثل يشيع ثقافة عدم الاكتراث للأضرار التي تلحق بالآخرين أو بالمجتمع عندما لا يطالك منها شيء.

نبذة عن المثل

ينتمي المثل إلى التراث الشفهي السوداني، ويُدرج ضمن الأمثال الشعبية المتداولة في المجتمع السوداني. تعكس الأمثال الشعبية حكمة تجارب الأجيال، وقد ظل هذا المثل متداولًا بين الناس لعقود كجزء من الذاكرة الشعبية. لم يُسجل قائل محدد له، فهو جزء من الأمثال المتوارثة شفهيًا. ويلاحظ من تداول المثل في المناطق الريفية والحضرية أن مضامينه ترتبط بموقف الفرد من ممتلكات الغير ومشاكل الآخرين. ويشير وجوده في قوائم الأمثال السودانية وذاكرة الناس إلى أنه متجذر في الثقافة المحلية، وكثيرًا ما يستعمل للتعبير عن سلبية العدالة الاجتماعية أو عدم التضامن بين الناس.

مناسبة استخدام المثل

يُقال هذا المثل في مناسبات عدة للتعليق على تصرفات تفتقر للمسؤولية والضمير. من السياقات الشائعة:

  • التعامل مع الملكيات العامة أو العامة: عندما يقوم أحدهم بإتلاف ممتلكات عامة أو خاصة لِأنه يعتقد أنها ليست له، يستخدم آخرون المثل للتعبير عن السبب، كما يقال عند تبرير التخريب أو الاستهانة بالأملاك غير الشخصية.

  • التعاطف مع معاناة الغير: إذا مر شخص بمعاناة أو مشكلة ولم يلتفت إليها أحدٌ لأن “ليس جلدهم”، يستخدم المثل للتذكير بظلم هذا الموقف. ففي نقاشات سياسية مثلاً ذكر صحفي سوداني أن جهة ما “لا يهمها الأمر لأن الأمر ليس جلدها” مستشهداً بالمثل.

  • انتقاد الأنانية: يُستشهد بالمثل أيضًا عند انتقاد السلوك الأناني والحث على مساعدة الآخرين. يستخدمه الناس ساخرين أو بلهجة تحذيرية حين يرون أحدًا يتجاهل قواعد التعاون والتعاطف.

  • في الأزمات والنزاعات: ورد المثل في تعليقات على المفاوضات السودانية للتعبير عن استهانة طرف بما يدور حوله من مشكلات لأنه “ليس من عالمه”.

هذه الاستخدامات تظهر أن المثل يُقال لفضح سلوكيات اللامبالاة والاستغلال: فإذا استُخدم المثل فقد يعني أن المتحدث يرفض أن يتصرف الآخر كأنه غير مسؤول تجاه أزمة أو ملك غيره.

وصف المثل وتصويره

يتضمن المثل صورًا حسية تجذب الانتباه: جلدا (جلد) و الشوك. الجلدُ في السياق هنا استعارة للإنسان أو مصلحته الخاصَّة، فالكناية تقول أنه لو كان الأمر جلده شخصيًا، لما سحبَه على الشوك (أي لكان حريصاً عليه)، ولكن لأن الجلد غير جلدك، فأنت تجرّه على شوك دون رحمة. وبذلك يصف المثل بشكل صريح صورة الألم والإهمال: تخيل شخصًا يسحب قطعة جلد بشرية على أشواك، وهي صورة بليغة للبؤس. لكننا نشير هنا إلى أن الجلد الذي يُعرَض للمعاناة ليس جلدك الحقيقي بل “جلد الغير”. لذا فالمثل يوحي بأن الأذى لا يُحاسَب على فعلهما الناس ما دامهم هم أنفسهم سليمون. وبكلماتٍ بسيطة، يحكي المثل قصة تمثل معاناة لا يشعر بها المستفيد: أي أن المتسبب يضمر تجاه الفعل وجهًا غامضًا وكأنه مجرد لعبٍ بشيءٍ غريب عن نفسه.

شرح المثل بمعناه الاجتماعي

شرح المثل يكمن في القيمة الاجتماعية التي يقدمها. فهو يُعبر عن حقيقة مزعجة: أن البعض لا يكتفي بقلة الحسّ بالإضرار بالآخرين فحسب، بل قد يفتخر بهذا التصرف. حين نقول: “فلان جر ده الخطاب على الشوك، لأنو جلد ما جلدك”، فإننا نعيب عليه أنه تلاعب بأملاكٍ أو حقوقٍ ليست من نصيبه. المعنى العميق هنا هو تحذير من إفساد ما لا يخصنا. فالمثل ذكي في تشبيه الغير بجلدك، مما يجعل لسلوك تجاهله طابعًا نذيرًا بالخيبة: لو كان ذلك هو جسمك، لتجنبته “جار عليه الشوك”، ولكن لأن الأمر يخص غيرك، فهو سهّل عليك تحطيمه.

في شرحٍ دقيق، نلاحظ:

  • الخطاب: يخاطب المثل بحكمته العامة كل من يتصرف بأنانية.

  • النتيجة الاجتماعية: المثل يحذر من انتشار الأنانية والكراهية واللامبالاة في المجتمع كما يشير إليه كاتب سوداني. إذ يعمل كما وصف الكاتب: “تنمو معنا الأنانية المفرطة وكراهية الآخر والبغض والحسد” نتيجة لعادات مثل هذا المثل.

  • العبرة الأخلاقية: يدعو ضمنيًا إلى قيمة تعاطف الإنسان مع مشاكل الغير، لأن كل واحد قد يصبح يومًا في موقف غيره.

مميزات المثل

رغم سلبية المعنى، للمثل بعض الخصائص المميزة:

  • الإيجاز والوضوح: يختصر المثل فكرة واسعة ومركبة في جملة قصيرة وجذابة، مما يجعله سهل الاستذكار والنقل شفهيًا.

  • القوة التأثيرية: بفضل صورته الحسية (الجلد والشوك)، له وقع قوّي على السامع، ويُرسخ الفكرة بسهولة.

  • شمولية المعنى: يمكن تطبيقه على مختلف الحالات الاجتماعية والسياسية، فهو لا يقتصر على موقف واحد بل يستخدم في الكثير من المواقف التي تبرز الأنانية أو الاستغلال.

عيوب المثل

ومع ذلك، توجد عيوب اجتماعية وأخلاقية واضحة في مضمون المثل:

  • التشجيع على الأنانية: كما لاحظ النقّاد، يحمل المثل دلالة تحفيزية للأنانية وحب الذات. فهو أشبه بـ«موافقة» ضمنية على الاستهتار بحقوق الآخرين.

  • تبرير التخريب والسلوك السيئ: يتيح المثل لماكراً أن يبرر تصرفاته المسيئة بالمثل القائل “هذا ليس من شأني”، فيُستخدم كحجة مقنعة لإهمال فعل الخير أو حفظ الممتلكات العامة.

  • فقدان القيمة الأخلاقية: بإضفاء نوع من التبرير المعنوي على السلوكيات الخاطئة، يمكن أن يؤدي المثل إلى تراجع في قيم التعاون والمسؤولية الاجتماعية. كما قال الباحثون: “إنه عين التخلف الذي نعيش نتائجه الآن وأسوأ درجات المثل التي كنا نبرر بها أفعالنا تجاه الآخرين”.

تاريخ المثل

لا توجد وثائق أو مراجع تاريخية دقيقة تحدد زمن إنشاء هذا المثل، فهو من التراث الشفهي المتوارث عبر الأجيال. احتماليًا استُعمل في السودان وأجزاء من الجزيرة العربية منذ زمان. ورغم غموض أصله، إلا أنه لا يمكن الفصل بين تاريخ المثل وثقافة المناخ الاجتماعي الذي نشأ فيه: فبيئة الاعتناء بالمال الخاص وتجاهل العام موجودة منذ قرون، ويبدو أن هذا المثل نشأ كتعليق حكيم على هذا السلوك. تُظهر المصادر المعاصرة (من الصحافة والإنترنت) أن المثل كان مألوفًا طوال القرن العشرين واستُخدم في مواقف عديدة، مما يجعل أصله يستقر في بيئة المجتمع السوداني أو المجاورة مجازًا.

أصل المثل وقائله

المثل لا يُنسب إلى شخص واحد بعينه؛ فهو حكمة شعبية وُلدت من تجربة جماعية. لم يأتِ عن شاعر أو مؤرخ معروف، بل انتشر شفهياً بين الناس. ولأن تراث الأمثال يربط الألفاظ والعادات بالخبرات اليومية، فقد كون عدة أجيال الصياغة الحالية للمثل. فعلى سبيل المثال، يفيد ويكي الاقتباس (موسوعة اقتباسات) أن هذا المثل من الأمثال السودانية الشعبية. وبذلك، يمكن القول إن المثل من أمثال السودان الأصيلة.

من قيل فيه هذا المثل

نظرًا لطبيعته الشعبية، فليس هناك شاهدٌ تاريخي يذكر قائل المثل الأول. بل نُقل عن شيوخ وحكماء بلهجتهم العامية دون تسجيل رسمي. ومع ذلك ظهر المثل في كتابات معاصرة، مثلاً ذكره كاتب العمود السعودي مشعل السديري في عام 2015 في سياق حكاية محكمة للتعبير عن نضج القصة عن طول انتظارها. وقد استخدمته أيضًا وسائل الإعلام وناشطون سودانيون كتعليق على قضايا الساعة، منوهين إلى معناه. ولكن بشكل عام، نُطرد المثل في أمثال لا يتفق على مصدرها ولا أعطانها سوى أنها أرشيف ثقافي مشترك.

آراء حول المثل

تناول الكتاب والمفكرون هذا المثل بآراء نقدية محمّلة بالأخلاقية. فمثلاً اعتبره كاتب سوداني “عين التخلف وأسوأ درجات المثل التي نبرر بها أفعالنا تجاه الآخرين”. كذلك رأى مدونون صحفيون أنه يعزز ثقافة الأنانية المطلقة ويجعل الفرد يهمل مراعاة حتى الحقوق العامة. وفي سياق التحليل الثقافي، أكد إعلاميون أنه يدخل في نسيج الأمثال السيئة، إذ يبرر تخريب ما “ليس ملكك” بغض النظر عن تبعاته.

في المقابل لا توجد أراء منشورة كبرى تساند المثل أو تمتدحه، لأن مضمونه يتعارض مع قيم التعاون والضمير. بعض الناس قد يستخدمونه ساخراً لإدانة سلوك سيء، ولكن الأغلبية تراه مثلًا ذي طابع سلبي يُمنع تعلّم الأطفال على الاقتباس منه. حتى أن الأعراف الجديدة والمراجعات الثقافية تنصح بتجنب الخوض في مثل هذه الأمثال التي تفرّق بين الناس أو تحض على استغلال الضعيف.

خاتمة شاملة لكل جوانب المثل

باختصار، «جلداً ما جلدك جر فيهو الشوك» مثل سوداني شعبي يُركّز على مفارقة اجتماعية: أن الأحكام تختلف إذا كان الأمر ملكنا أم ملك غيرنا. المثل مختصر لكنه تعبير قوي عن الأنانية والاستغلال. وهو يحذّر من ممارسة استهتار تؤدي لتخريب الممتلكات العامة أو لتجاهل مشاكل الغير مجحفًا. ومع أنه استخدم تاريخيًا لوصف واقع اجتماعي، إلا أن مجتمع اليوم يرى في مضمونه رسائل سلبية لا يجب أن نطلقها بغير وعي. يبقى المثل ذكرى شعبية في التراث السوداني، ولكنه يُعَدّ في العادة من الأمثال اللاّحكيمة، التي تلفت الانتباه إلى سلبيات السلوك البشري أكثر منها لتشجيع سلوك إيجابي.