-->
لا حول و لا قوة الا بالله

المثل السوداني “السن بتضاحك نديده” – تعريف وشروحات شاملة

السن بتضاحك نديده عبارة عن مثل سوداني شائع يصور الظاهرة الاجتماعية لميل الناس إلى التودد إلى أقرانهم في العمر أو فئتهم العمرية. ويعني حرفيًا أن «السن (الجيل) يضحك مع نديده (نظيره أو معمره)»، أي أن الإنسان يجد الراحة والترفيه برفقة من هم في سنه. يُفهم من هذا المثل أن الأطفال يتزاورون ويلعبون مع من في نفس عمرهم، والكبار يتعاملون مع أقرانهم الذين يشاركونهم مراحل الحياة نفسها.

في السياق الثقافي الأوسع، تُعتبر الأمثال الشعبية «عصارة حكمة الشعوب» وذاكرتها. ومن هذا المنطلق، يُصنّف السن بتضاحك نديده ضمن التراث الشفهي السوداني، حيث تتوارث الأجيال هذه المقولة في المناسبات والحوارات اليومية. مثلاً، جاء ذكر هذا المثل في قوائم من الأمثال السودانية اليومية، ويُستخدم في مناقشات مجتمعية متنوعة، كما سنوضح لاحقًا.

تعريف المثل

المثل “السن بتضاحك نديده” يعني أن الشخص يتآلف ويتواصل بسهولة مع من هم في نفس عمره. وكما يوضح المعجم العربي، فإن “نديد” تعني «نَظِير، أو مماثل في العمر». بمعنى آخر، كل شخص يجد السعادة والفكاهة مع أقران سنّه. استخدمته مقالات سودانية لوصف حكايات صداقة، فمثلاً ذُكر: «يقولون في السودان السن بتضاحك نديدا. الابنة في الخامسة لها صداقات مع طفلتين في عمرها…»، مما يبيّن كيف يشكّل هذا المثل تفسيرًا لسلوك طفل يعقد صداقات بمن هم في سنه.

نبذة عن المثل

تنبثق أهمية هذا المثل من كون الأمثال الشعبية مرآة للتقاليد والعادات. كما تشير المصادر، يهتمّ العرب بالأمثال منذ القدم لتوارثها عبر الأجيال، فهي «عصارة حكمة الشعوب وذاكرتها». وفي السودان تحديدًا، اعتُبر هذا المثل واحدًا من الأمثال الشعبية الموروثة، يرد ذكره عند التحدّث عن علاقتنا الاجتماعية. ورغم عدم وجود تاريخ مدوّن لمثلٍ شعبي كهذا، إلا أنه يظهر في كتابات ووسائل إعلام سودانية معاصرة كمكوّن من المخزون الثقافي (على سبيل المثال؛ رؤيناه في صحف ومواقع سودانية حديثة تتناول موضوع التربية والاجتماع).

مناسبة المثل

يُستعمل المثل “السن بتضاحك نديده” في مواقف تتعلق بالفروقات العمرية أو بالاختلاط بين الأعمار المختلفة. فمثلاً في سياق تعليمي، استُشهد به للتدليل على مشاكل جمع طلاب بأعمار متفاوتة في فصل واحد. يقول كاتب في صحيفة «الراكوبة» إن «فرق السن بين الطلاب يخلق عدم التجانس» وأن هذا ما يراه المثل. بمعنى أن الدمج بين صف عمره 6 سنوات وآخر عمره 15 عامًا أمر غير متجانس – لأن كل فئة عمرية تفضّل رفقة من عمرها. أيضًا في السياق العائلي، استخدمه كاتب سوداني في أوروبا لوصف تجربة طفلة عمرها خمس سنوات صنعت صداقات مع بناتٍ في سنها. بهذا، نجد أن المثل يُقال عند ملاحظة تحالف واضح بين أفراد الجيل نفسه أو عند الحديث عن التعارف الطبيعي بين الأطفال والكبار في محيط عمرهم.

وصف المثل

المثل يصف ميل الإنسان إلى الاصطفاف مع من في سنّه. فكل جيل «يضحك» أو يمرح مع نظيره. وفي أحاديث سودانية ورد أن بعض الناس «يحبسون أنفسهم في جيلهم على سنة المثل»، بمعنى أنهم يكتفون بصحبة من هم في عمرهم ويرفضون الاختلاط بالأجيال الأخرى. وبهذا الوصف، يشدّد المثل على أن العمر (السن) له إيقاعه الخاص؛ فالإنسان يستمتع بالتبادل الفكاهي والعاطفي مع أقرانه. هذا الوصف العام يأتي مكرّراً في الأمثال الشعبية السودانية، ومنها قولٌ آخر قريب: «اب سنينة بيضحك على ابن سنينتين» الذي يحمل نفس الدلالة (أن الرجل الكبير يسخر من مَن أصغر منه).

شرح المثل

ما وراء المثل هو تأكيد فهم اجتماعي: كل جيل في الحياة لديه لغته وتجاربه ولغته الخاصة التي يجد بها السعادة مع أقرانه. فإذا حاولت خلط جيلين متباعدين، قد لا يفهم كلٌّ منهما الآخر، مما يفسّر الظاهرة الموصوفة. مثال على ذلك: قال صاحب عمود رأي تعليمي «هل يمكن أن يستمر الطالب من عمر 6-15 سنة في مكان واحد؟ أم ندخله الروتين ويبعده عن العلم؟، وخاصة أن مدارسنا جفت من المقررات (…) فرق السن بين الطلاب يخلق عدم التجانس والمثل بقول (السن تضاحك نديدها)». بهذا يشرح الكاتب أن الاختلاف الكبير في السنّ بين الطلاب يفسد التوافق – ومن ثم استفاد من المثل ليعبّر أن كل فئة عمرية «تضحك» مع نظيراتها.

بعبارة أخرى، المثل يختصر حقيقة إنسانية: فالأطفال يتجمعون مع أقرانهم للعب، والشباب يتحدثون مع أصدقائهم في العمر، كذلك الكبار، لأن لكل فئة اهتماماتها وتجاربها الخاصة التي لا يفهمها غيرها بسهولة. ولذلك، يُستخدم المثل أحيانًا كنصيحة أو تحذير مفاده: طوّر تواصلك مع الآخرين في عمرك أولاً، لكن احذر أيضًا أن تُحصر في دائرة عمرك فقط. فقد لاحظ الإمام الصادق المهدي في كلمة تأبين أن «بعض الناس يحبسون أنفسهم في جيلهم على سنة المثل السوداني ‘السن بتضاحك نديدها’»، مشيرًا إلى أن التزامًا حرفيًا بهذا المثل قد يحجز الإنسان داخل فئته العمرية دون تجاوب مع غيرها.

مميزات وعيوب المثل

من مميزات المثل أنه يسلط الضوء على التجانس الطبيعي بين الأفراد من نفس الفئة العمرية، مما يوفر تواصلًا سهلاً وتفاهمًا مشتركًا. في التربية والمجتمعات، هذا التجانس يمكن أن يوفّر تآلفًا اجتماعيًا ضمن الفئات العمرية، ويسهّل أنشطة اللعب والتعليم المخصصة لكل مرحلة عمرية. بعبارة أخرى، إذا التزم المجتمع هذه الحكمة الشعبية، فقد يضمن لكل طفل أو شاب بيئة مناسبة تتوافق مع نموّه واهتماماته.

أما عيوب المثل فتتمثل في احتمالية أن يؤدي إلى عزلة جيلية. فكما أشير في الأحاديث السابقة، فإن التطبيق الصارم لهذا المثل قد يجعل كل جيل “يحصر نفسه” مع فئته، مما يضعف التفاعل مع الأجيال الأخرى. وهذا قد يعوق نقل الخبرات والمعرفة بين كبار السن والشباب، ويزيد الفجوة الاجتماعية. باختصار:

  • التجانس العمري: ميزة تكمن في تقوية الروابط بين الأقران من نفس العمر، مما يُسهّل المفهوم الاجتماعي والتعليم ضمن فئات عمرية محددة.

  • العزلة الجيلية: من مساوئه تشجيعه على اختصار العيش ضمن الحلقة العمرية ذاتها. فقد يُنظر إليه على أنه يوصي «بحبس» الإنسان داخل جيله، وهذا يُضعف الوحدة المجتمعية والتنوع الثقافي بين الأعمار المختلفة.

تاريخ المثل

أصول السن بتضاحك نديده غير موثقة في التاريخ؛ فمثلها كغيره من الأمثال الشعبية يتم تداولها شفهيًا عبر الأجيال. لكننا نعلم أنها كانت مستخدمة على الأقل منذ زمن قريب، فقد انتشرت في الصحافة والمنتديات السودانية في العقد الأخير. على سبيل المثال، ورد ذكرها في كتابات عام 2014 ولا تزال تتداول حتى اليوم، مما يدل على استمراريتها في الثقافة الشعبية السودانية.

أصل المثل

لا توجد في المصادر المرفقة معلومات تحدد أصلاً جغرافيًا أو ثقافيًا محددًا لهذا المثل بخلاف كونه سوداني المنشأ. بمعظم الظن، ظهر ضمن البيئة الريفية أو الحضرية السودانية وتناقلته الألسن دون أن يُنسب إلى شاعر أو كاتب بعينه. إذًا أصل المثل يعود إلى التراث الشعبي السوداني العامّ الذي لا يُوثّق فيه كاتب أو تاريخ، بل يُعتبر موروثًا شفهيًا عتيقًا.

في من قيل هذا المثل

لم يُعثر على ذكر لمن قال هذا المثل أول مرة. فهو من الأمثال المتداولة بلا نسبتٍ صريحة لشخص أو مناسبة معينة. فالقائل الأول غير معروف في الكتابات، والمثل نُقل على الألسن عبر الزمن. ولئن ورد اسمان في مصادر حول أمثال سودانية غير هذا المعنى، فإن “السن بتضاحك نديده” يبقى مثلًا منقولاً من عامة الناس دون مخترع معروف.

آراء حول المثل

تباينت آراء الناس حول هذا المثل بناءً على تجاربهم ومواقفهم. فمنهم من يعتبره توصيفًا ببساطة لسلوك بشري حيادي. على سبيل المثال، استخدمه كاتب لإبراز حقيقة اجتماعية في قصة طفلة عمرها خمس سنوات كونها تكوّن صداقات مع أقرانها، دون أي نقد أو إدانة؛ فقد قيل بأن «في السودان السن بتضاحك نديدا» كتفسير طبيعي لصداقات الأطفال.

في المقابل، يرى البعض أن تفسير المثل حرفيًا قد يكون نوعًا من الانغلاق. ففي خطاب ألقاه الإمام الصادق المهدي مثلاً، أُشير إلى أن “بعض الناس يحبسون أنفسهم في جيلهم على سنة المثل السوداني السن بتضاحك نديدها”، مما يبدو نقدًا للوقوع في العزلة الجيلية. أي أن هناك وجهة نظر تعتبر أن اتباع هذا المثل بدقة يؤدي إلى عزلة عن الأجيال الأخرى.

بشكل عام، المثل مقبول على نطاق واسع في الثقافة الشعبية. فهو يرد كملاحظة مألوفة ولا يُثير جدلًا كبيرًا، إلا في سياق الدعوة إلى تحديث طرق التفكير الاجتماعي. ففي الوسط التربوي مثلاً، استُشهد به كحجة للحفاظ على توزيع أطفال المدارس حسب أعمارهم، أما في الأوساط الفكرية فربما يُذكَّر كإنذارٍ لعدم الانغلاق على عمرٍ واحد.

الخلاصة

بجمع ما سبق، يتضح أن المثل السوداني “السن بتضاحك نديده” يشير إلى علاقة الأفراد بأقرانهم في العمر وميله تلقائيًا للتواصل معهم. هذا المثل الشعبي يحمل في طياته حكمة تصف واقعًا اجتماعيًا مألوفًا، كما يحوي تلميحًا إلى أهمية توسيع الأفق والحذر من العزلة الجيلية. وقد أصبح من العبارات المتداولة في الثقافة السودانية للتعبير عن المنظومة العمرية في المجتمع، مع تسجيله في المصادر الحديثة باعتباره جزءًا من الثروة اللغوية الشعبية.